في باسي لوك إلى الشرق من مدينة بندا آتشه عاصمة الإقليم الواقع في شمال إندونيسيا نجا مائة من الناس هرعوا إلى مسجدهم حين زحف الموج القاتل على بلدتهم مدمرا كل شيء في القرى الخمسة المجاورة إلا مسجدهم الذي وقف فوق الدمار.
هذه القصة التي يحكيها توكو كاووي علي -أحد رجال الدين بالبلدة- ليست الوحيدة في إندونيسيا, فعلى امتداد السواحل التي اكتسحها المد مدمرا كل شيء في سبيله ظلت المآذن واقفة تومض بتحد في وهج الشمس, ورأى الناجون في ذلك "يد الله الممدودة لتحمي بيته من الدمار", كما يقول مخلص خيران الذي رأى بيته يجرفه التيار في ضواحي عاصمة الإقليم بندا آتشه فيما بقي مسجد الحي سليما.
وهذه صورة من الأقمار الصناعية لحظة الزلزال المدمر والذي أعقبته موجات تسونامي العملاقة :
وفي قرية كاجو في ضواحي بندا آتشه أيضا دمرت مئات المنازل ولم يبق صامدا إلا مسجد كل ما تعرض له هو بعض الشقوق في جدرانه.
وفي مووبولا على الساحل الشرقي لآتشه قريبا من مركز الزلزال حيث قتل عشرة آلاف شخص على الأقل, برزت المساجد من بين الخراب شاهدة عليه لكنها ليست جزءا منه كأنها تجسيد للقول الإندونيسي "إن لا أحد يمكنه أن يدمر بيت الله إلا الله ذاته".
من الناجين من رأى في كارثة الأحد الماضي "عقابا إلهيا على جشعهم" وهو ما جعل المئات يهرعون إلى مساجدهم بحثا عن مأوى لهم أمام الموج العاتي
وعن مكان للتضرع والسلوى في أشد لحظات حياتهم الحالكة. البعض الآخر فضل تقديم تفسير مادي للظاهرة, إذ رأى أن هندسة المساجد وصلابة بناءها كفيلان في حد ذاتهما بحمايتها من الدمار, إلا أن ذلك ليس جوابا شافيا فأحد المساجد في سيغلي في شمال آتشه سلم من الدمار الذي لحق بكل شيء محيط رغم أنه مصنوع من الخشب فقط.
ويذكر أشيار الذي يقطن بعاصمة الإقليم بندا آتشه أن غريزته نبهته لحظة دهم الموج أن يحتمي بمئذنة المسجد حيث تعلق بسلك كهربائي إلى أن انحسرت المياه, في وقت مات فيه العديد من أصدقائه الصينيين لأنهم "فضلوا الاحتماء بالطابق الثاني من حوانيتهم حيث حاصرهم المد".
وتعتبر المساجد في قلب الحياة الإندونيسية إلا أنها تكتسي أهمية خاصة في آتشه التي تعتبر إحدى البوابات الرئيسية التي دخل منها الإسلام الأرخبيل قبل سبعة قرون, ولهذا تحولت بعد الكارثة إلى مكان للبحث عن المفقودين وحتى إلى مستشفيات ميدانية لمداواة المجروحين وتجميع الجثث, ولكنها تحولت قبل ذلك إلى مكان للصلاة والسلوى.
صورة لأحد المساجد قبل الزلزال
ورغم أن الكثير من عمران آتشه الذي امتدت له يد الموج قد لا يرتفع فوق الدمار إلا بعد أشهر, فإن سكان عاصمة الإقليم حرصوا على أن يكون مسجد "بيت الرحمن" أول من يستفيد من أعمال الترميم, فقد حمى أجسادهم من الطوفان في لحظاته الأولى وحمى أرواحهم من اليأس والقنوط في الساعات والأيام التي تلته.
وليس هذا فحسب بل إن المساجد بقيت صامدة بشموخ في وجه الزلازل في بقاع مختلفة من العالم في عصرنا الحالي كما حدث في مسجدٍ بمدينة غولكوك والتي تقع غرب تركيا على بعد 60 كيلومتر من اسطنبول اثناء الزلزال الذي هز تركيا عام 1999 والذي تجاوز عدد ضحاياه أكثر من 6000 شخص والاف الجرحي والمفقودين الذين دفنوا تحت الركام.
والذي نعتقده أن الله تعالى أبقى هذه المساجد وسط الزلازل ليس لأنها مختلفة في معايير البناء والتصميم المعماري، بل لتكون رسالة على أن هذا الدين هو الملاذ الآمن للناس كافة يوم الفزع الأكبر. وأن الإسلام هو الدين الحق الذي ارتضاه الله للناس كافة منذ بعثة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وإلا فلماذا لم يبق الله تعالى بيوت العبادة الأانا حمار التي تدين بغير الإسلام. وأيضاً حتى يقيم الحجة على الكفار يوم القيامة حين تسألهم الملائكة ألم تروا آيات الله ماثلة أمام أعينكم وتناقلتها وكالات أنباءكم ومصوروكم ومع ذلك لم تؤمنوا بالله ورسوله. فالحمد لله على نعمة الإسلام.